أخبارمختارات عالمية

الوصف الرهيب لجلد الرب يسوع وتكليله بالشوك بحسب ما شاهدته المكرّمة ماري داغريدا

مِن كتاب مدينة الله السريّة

جلد الرب يسوع وتكليله بالشوك

تحت وطأة الأمل الخاطىء بتسكين غضب اليهود ، أمر بيلاطس بِجلد سيدنا يسوع واوصى أن يكون بمنتهى القساوة. وفوق ذلك، يئس لوسيفورس من أن يمنع موته فأراده ايضاً أن يكون بأشد ضراوة ممكنة وكان يُهيج جميع الذين يتمكّنون من المساعدة على ذلك.

ومن أجل هذا العقاب بالسيّد، اختبر ستة رجال اتباع اشداء وعديمي الشفقة ، فاقتادوا إلى ساحة كانوا يضعون عادة فيها الاشرار تحت الأستجواب لكي يرغموهم على الإقرار بذنوبهم. فنزعوا عنه أولاً ، الثوب الأبيض ، والحبال والسلاسل فاتحين بذلك جراحة ، التي تسببت بها الرباطات في ذراعيه ومعصميه. وأمروه بعدئذٍ مع الشتائم الكثيرة أن يخلع القميص الداخلي وإذ وجدوه بطيئاً في ذلك ، نزعوه بأنفسهم وبكثير من العنف.

وأرادوا أخيراً أن ينزعوا عنه السروال المتبقي له والذي البستهُ إياه أمُه في مصر. ولكنهم لم
يستطيعوا ذلك أبداً لأن أذرعهم كانت تتصلب كما حدث من قبل في سجن قيافا وعلى الرغم من ذلك لم يتأثروا بالمعجزة التي كانت تخدر أعضائهم لأنهم كانوا يحسبون ذلك سحراً حسب معتقدهم الجهنمي. لأن كل ماسمحت لهم به عزّته هو أن يرفعوا قليلاً هذا اللباس الأخير حتى يشعر أكثر بألم الجَلِد.

كانه الفناء محاطاً بأعمدة. البعض منها يحمل البناء والبعض الآخر كان منخفضاً جداً . فربط الجلاّدون بإحكام يسوع المسيح إلى  واحدة منها كانت مصنوعة من الرخام. ثم راحوا يجلدونه أثنين بشراسة لم يُسمع بها وحتى أنّ الطبيعة البشرية قد تعجز عنها لو لم يكن لوسيفورس إلى حدُ ما متجسداً بهولاء البرابرة.

جلده الأثنان الأولان بحبال خشنة مبرومة حتى غطت جسده المقدس كلِه جراحات كبيرة وراح يسيل منها . وأستعمل الأثنان الآخران سيرراً قاسية وضربوه بها بعنف حتى غطى الدم الثمين جسدهُ وأصبح وكأنهُ جرح واسع ، تسيل دماؤه حتى الارض ويتدفق كذلك على ثياب جلاديه مُدنسي المقدسات . وأخيرا تقدم الإثنان الأخيران مُسلحين بقصبات أقسى من خيزران يابس فأوسعوه ضرباً بها ، بشراسة جديدة مُحرّضين من الشياطين المُغتاظين حنقاً من هذا الصبر الكثير . لقد مزقوا لحمهُ المُقدس وتطاير منه عدة قطع على الارض وعّروا عظامهُ في عدة  أمكنة من كتفيه حيث كانت تشاهد دامية والبعض منها كانت أوسع من راحة اليد.

وحتى لم يُفْلِت أيّ جزء من هذا الغيظ ضربوه حتى سببوا له أوجاعاً لايقوى عليها أحد في يديه ورجليه ، ووجهه الذي أصبح مُثخناً بالجراح . يسيل منها الدم فيعميه تماماً . وأخيراً وفي قمة العار غطـّوا وجههُ الوقور ببصقاتهم الكثير : بلغت عدد ضربات أسواطهم خمسة ألاف ومائة وخمسة عشرة ضربة. ولم يتوقفوا حتى تعبوا من كثرة الضرب

وكانت جماهير الشعب تملأ ساحات القصر والشوارع المجاورة تنتظر نهاية هذا الحدث العظيم، ويتحدثون وسط هذا الصخب المخيف . فأخذت العذراء الكلية القداسة مكاناَ مع القديس يوحنا والمريمات في إحدى زوايا الساحة. وعلمت ليس  فقط برؤيا واضحة ، بكل الضربات التي تلقاها إبنها . ولكنها كانت تشعر هي أيضاً بالألم كما لو كانت هي المصابة ، كل مرة تنهمر الضربات على جسد المخلص بدون إهراق دم جديد غير الذين سكبتهُ مع دموعها . قد غـّير الألم ملامح وجهها حتى أنّ القديس يوحنا والمريمات لم يعودوا يعرفون تقاطيعهُ .

كما كان ايضاً التعبير عن ألم نفسها مستحيلاً. لا نستطيع التوصل لفهم هذه الاشياء مع أسرار الألوهية إلا في السماء حيث يُكْشَفُ عنها من أجل مجد الأبن والأمَ معاً .

بعد الجّلد حلّ الجلادون وِثاق سيدنا يسوع المسيح عن العامود بوقاحة وأمروه أن يأخذ قميصه وهم يَقذفونه بشتائم جديدة . ولكن أحد الأتباع بتحريض من إبليس خبّأ له القميص بقصد تطويل خزيه. إنتبهت العذراء الكلية القداسة لهذه الحيلة الجهنمية وأمرت لوسيفورس بالخروج من هذا المكان مع زمرته كما أمرت الملائكة بوضع القميص في متناول سيِدهم.
فنسب الجهنَميون هذه المهجزة إلى السحر. وكان سيدنا يسوع المسيح بحاجة إلى اللباس، وكان يتالم من البرد ايضاً، ولكن بقدر ماكانت حرارة رحمته كبيرة بقدر ذلك كان يريد أن يتحمّل أكثر فأكثر أيضاً.

وهذا المزيد من الألم اعطي له دون تأخير. لأنَ غيظ اليهود كان قاسياً إلى درجة أنهم أستنبطوا له عذاباً آخر كان أشد وقعاً من كل عذابات الآلام. ذهبوا إلى بيلاطس  في المحكمة وقالوا له : هذا المُضِل أراد بخزعبلاتهِ أن يُعْتبّرَ كملك . فأسمح لنا أن نلبسه شعائر الملكوية إقتصاصاً من كبريائهِ.


وما أن اذِنَ لهم حتى إقتادوا الملك الإلهي إلى المحكمة ونزعوا عنه لباسهُ بغير إحتشام والبسوه عوضاً عنه رداء قرمزياً ممزقا ووسخاً وحتى يعرّضوه لهزء الجموع وضعوا على راسهُ إكليلاً مضفوراً من الأسَل المشوِك كانت أطرافه حادة جداً وقوَية فغرزوها في رأسه بعُنف شديد فدخلت حتى الجمجمة والأذنين وحتى العينين . وبدلا من الصولجان وضعوا قصبة في يده اليمنى ورموا أخيراً عل كتفيه رداءً بنفسجياً شبيهاً بالغُفارة المستعملة في الكنيسة لأن الملوك كانوا يستعملون ايضاً هذا اللباس دلالة على رفعتهم.

وأجتمع جميع الجنود بحضرة رؤوساء الكهنة والفريسين . ووضعوا معلمنا الإلهي في الوسط وقذفوه بجميع أنواع سخرتهم .كان البعض يقول له بهزء وهم يحنون ركبهم : سلام، ياملك اليهود ! والآخرون يصفعونه والبعض الآخر يضربه بالقصبة على راسه وآخرون يغطون وجهه ببصاقهم القِرَف والجميع يشبعونه إهانات .

وجده بيلاطس بحالة يرثى لها وظنّ منظرة هذا بإماكانه أن يحرِك قلب اعدائه الأشد ضراوة. فجعله يطلُ من نافذة المحكمة وقال لها : هواذا الرجل ! أليس هو منهوك جداّ ولم يبقَ لديكم سبب للخوف منه ؟ ولكن عوض أن يحرِك منظره شفقتهم، صاح هولاء الناس العديمي القلب والعدل : إصلبهُ!  إصلبهُ!

ولدى رؤيته سجدت له العذراء الكلية القداسة وعبدته كإله لها . وفعل مثلها الملائكة حراسها والقديس يوحنا والمريمات بينما هي كانت تقول للآب الأزلي وبالأخص لأبنها كلمات سامية مملوءة إحتراماً وشفقة لايمكن ان تخرج إلا من قلب مُضطرم بالحبِ الطاهر كقلبها . كان همُها على الدوام شرف سيدنا يسوع المسيح فضاعفت صلواتها ليتأكد بيلاطس من براءته حتى وهو يحكم عليهِ.

وبفضل صلواتها ، ندم الحاكم الجبان لأنه جلده بقساوة كبيرة واجتهد بأن يجنبه الموت . ولذا فقد أجاب اليهود : أما أنا فأني لم أجد فيه ذنباً. فاردفوا: إنه مستوجب الموت حسب شريعتنا لأنه جعل نفسه ابن الله. وعند سماعه هذه الأقوال شعر بيلاطس أن مخاوفه تتزايد.

فدخل إلى المحكمة وكان له حديث خاص مع سيدنا هـزّ ضميره خوفاً : وأراد أن يطلقه اكثر من كل وقت . أما اليهود الذين تنبّهوا إلى نيـّتِـهِ  راحوا يصيحون : إن أنت أطلقت هذا الرجل فلن تكون صديقاً لقيصر. لأن كل من يجعل نفسه ملكاً يكون عدّوا له.

فأضطرب لدى سماعه هذا التهديد المحتال وتوصل أخيراً ولفظ ضـدّ يسوع المسح حكـم الصلب وكان أحد اسبابه أنه أعتبر نفسه إبن الله وملك إسرائيل وقد حكم أنه سيساق إلى العذاب بين مجرمين محكوم عليهما بالموت . وما أن أعلن رسمياً هذا الحكم حتى اقتيد سيدنا إلى مكان حيث اعادوا له قميصه الذي أتى به الملائكة سراً بأمر من سلطانتهم وبدون أن يرى اليهود هذه المُعجزة لأنهم كانوا منهمكين جداً باستعدادات الموت.

فأنتشر حالاً الحكم بكل انحاء مدينة أورشليم وتراكض الناس من كل صوب ليشهدوا تنفيذ الحكم . فظهر يسوع أمامهم فاقداً الملامح . وكان جسده المقدس المغطى بالدم المتجمِد وكأنه جرح واحد . وقد مسح الملائكة وجهه عدة مرات بامر من الأم الحزينة جداً ولكنّ الجلادين عادوا يقذفونه بالبصاق الذي بأختلاطه بالدم ، كان يعطيه بالفعل مظهراً رهيباً .

ولدى رؤيته علا صخب كبير جداً حتى لم يعد باستطاعة أحد أن يسمع شيئاً فأظهر الكهنة والفريسيون فرحهم بهذا الإنتصار الأثيم وطلبوا الصمت من الجماهير حتى  يتمنكوا من سماع قراءة الحكم الذي أنتزعوه من جُبن بيلاطس . وكان البعض من الأهل والاصدقاء والذين شفتهم اعاجيب يسوع يبكون بمرارة بينما استولى على الآخرين ذهول صامت.

تملّك القديس يوحنا ألم حاد فاغمى عليه. وحدث الشيء نفسه للمريمات الثلاث. وبقيت وحدها ملكة الفضائل غير مقهورة وسط ألآمها التي لامثيل لها. لم يستول عليها شيءُ من فقدان العزيمة هذه التي كانت تشير إلى ضعف الآخرين . فاعادتهم من إغائمهم وطلبت من الله أن يقويهم بمقدار كاف ليستطيعوا أن يبقوا برفقتها حتى نهاية الآلام. على الرغم أنها لم تنقطع عن البكاء ولكن بوقار ورفعة سامية. وكانت تقدم لله بالأتحاد مه ابنها الآلام الكثيرة من أجل أصدقائه واعدائه. واخيراً أعطت لفضائلها شمولاً كبيراً موضع إعجاب الملائكة ومسّرة الألوهية.

من كتاب مدينة الله السريّة

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق