مختارات عالمية

جندي ملحد يتحدّى يسوع ويطلق النار على بيت القربان فماذا حدث بعد ذلك؟

لا يزال دير “كرمل العناية” محاصرًا مثل برج حمام لا منفذ له، ولا دعائم تسنده سوى صلوات تشدّه إلى السماء. وملامسة الموت تصبح للنفوس الكبيرة مهمازًا، إذ لم يتصاعد قط بخور الصلاة مستقيمًا ونقيًّا مثلما تصاعدَ في تلك الأيام، حيث الأخطار كانت داهمة.

كان على الراهبات الكرمليات، مقاومة غزاة الدير من جنود السلطات الشيوعية. وكانت الأخت مارتا تواجه يوميًّا الموت بكل بساطة، وهي تؤدي واجبها.

كانت الراهبة مارتا تحمل، ليل نهار، حزمة من المفاتيح مثبتة دائمًا إلى زنارها، فمسؤوليتها لم تكن موقوفة على الراهبات الحبيسات، بل تمتد أيضًا إلى السجين الإلهي. كان الكاهن المرشد، عند رحيله، قد أودع في كنيسة الدير القربان الأقدس، في حين كانت الثورة تزمجر في جوار الدير.

وقد سُمح للكرمليات بتناول تلك القرابين المقدّسة، إذا ما دعت إلى ذلك ظروف ملحّة. إلا أنهن كنّ يتمهّلن في الإقدام على ذلك، راجيات حدوث معجزة.

كات الراهبة مارتا ترقد، في أثناء الليل، شأن كلب حراسة، عند باب الكنيسة الموصَد، فإن أراد الغزاة أن يمرّوا، هي لن تسمح بذلك من دون دفاع حتى لو كلّفها ذلك حياتها.

في إحدى الليالي، كانت الأخت مارتا مستلقية وقد أنهكها التعب، أيقظتها، مذعورة، طرقات أعقاب البنادق على الباب، وصوت ثمل يصيح:
– إفتحي أيتها الجيفة!
وفي لمحة عين هبّت واقفة، والتفتت صوب القربان متضرّعة:
– يا سيّدي يسوع، عليك أنت أن تدبّر الأمور. عرائسك الراهبات في خطر، وأنت نفسك، داخل الكأس، تبدو أعزل، فلا تسمح بالفضيحة والتدنيس!

في تلك الأثناء كان الطرق على الباب يزداد عنفًا، فرسمت الأخت مارتا إشارة الصليب، وفتحت الباب.

رأت قائد الجنود يشهر مسدّسًا، وأعلن في الحال:
– تفتيش باسم القانون. هيّا أحضري الراهبات.
صوّب القائد الدخيل مسدّسه إلى صدرها ووجهه يعلوه الحقد الشديد، وصاح:
– نفّذي أوامري، وإلّا….

لم تضطرب الأخت مرتا، فقد اعتادت مثل هذا التهديد.
وصاح القائد بجنوده:
– مكانكم وانتظروا!
فتجمّدوا بمكانهم، على بعد مترين من البوابة.
ثم التفت نحو الأخت مارتا وهو يصبّ عليها وابلًا من الشتائم سائلًا:
– قولي، أيها الطاعون المقيت، هل هنا يرقد إلهك؟

وأحسّت الأخت مارتا بساقيها ترتخيان وكأنهما قضيبان من الخيزران، وفي ومضة برق تجلّى لها الخطر المُحدِق وعجزها المُطبِق. وحارت في ما تجيب، ولكن لم تكن قادرة على الكذب، فردّت:
– أجل، إنّ إلهي يقيم هنا.
– أفي هذه العلبة؟
– في هذه العلبة.
وأغرق الرجل في ضحكة شريرة، وأعقب متهكّمًا:
– إنّ إلهك لا يحتل من المكان حيّزًا كبيرًا، ويبدو أنه لا يُعيق كثيرًا. ولكن ماذا تظنّين سيحدث لو أني قضيت عليه؟
فجأة استعادت الأخت مرتا هدوءها التام، واقفة أمام الجندي تتطلّع مثله إلى بيت القربان، وردّت في هدوء:
– أجل، إنّ إلهي قد رضي أن يتصاغر، بحيث لا يحتل سوى حيّز ضيّق. ولكن إعلم أنه، على صغره، أقوى منك، بل أقوى من العالم أجمع، ولن تستطيع انت النيل منه.
صرخ المجنّد وقد تميّز غيظًا:
– آه! أتظنين ذلك؟ أتظنين ذلك حقًّا؟ إذن فلنجرّب… سنرى إن كان قادرًا على الدفاع عن نفسه، وسنرى إن كان هو الأقوى!

في الحال صوّب مسدّسه نحو بيت القربان، وضغط على الزناد، فحطّم الرصاص بيت القربان، وأشرع فيه فجوة مثل جرح فاغر، وهوت من الكأس المحطّمة بضع قربانات استقرّت على غطاء المذبح.

فهوَت الأخت مارتا جاثية على ركبتيها فقد كانت تتخيّل للحظة الأخيرة أن إلهها لن يتوانى عن الدفاع عن نفسه، لكنها عندما رأت الكأس المحطّمة، أجهشت بالبكاء. غير أنّ القائد تجمّد، وهوَت يده المتسنّجة على قبضة المسدّس، وعيناه تحدّقان في بيت القربان ووجهه الذي مسخه الحقد، باتت قسماته مجمّدة في ذهول عظيم، وقد فغر فاه كأنه يهمّ بإطلاق صيحة.

فجأة هوى إلى الأمام وظلّ جامدًا وقد فارقته الحياة، ويبدو على وجهه أنه شاهد صدمة تفوق الوصف. تمتمت الراهبة:
– سيّدي يسوع، إنهم لا يدركون ما يفعلون، فارحمهم.
ثم دنت من البوّابة وصاحت:
– تعالوا خذوا رئيسكم، فقد مات مصروعًا.

شخّص الطبيب الذي فحص الجثّة بأنه مات من انسداد شرايين صاعقًا، فتُرِك دير الكرمل وشأنه.

اشترك بالنشرة البريدية للموقع

أدخل بريدك الإلكتروني للإشتراك في هذا الموقع لتستقبل أحدث المواضيع من خلال البريد الإلكتروني.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق